نظارتك هي ريموت اللعبة

الطاقة تسري حيث الإنتباه، لذلك أنت تنجو لا محالة..

أهلا وسهلا ومرحبًا يا رفيـــق،

أكتب هذا العدد كما هو، بلا تنقيح ولا تحسينات. بجلسة واحدة، على إيقاع مقطوعة موسيقية لطالما رافقتني؛ في كتابة تدوينة، أو بالتركيز على مهمّة، أو أثناء تلطخي بالألوان بين لوحاتي الكبيرة.

بعد شهورٍ من ضجّة 2025 والكثير من الأسئلة المُلحّة، أعود بهذا العدد. مع أثر محمود أحبّه - لا يُنسيني حلاوة الدروس.

أمتلك مهارة المراقبة في المواقف كلها: متعاطفة، مندهشة، متأملة. يُشعل حماسي معرفة كيف سأتصرف مع كل فصلٍ جديد من هذه الحياة. فنحن نفهم العجلة، كلما غمرتنا الحكايات؛ لنعي مع الوقت كيف تبدأ كل القصص بفضول، ثم تنتصف بخوف وعجز وتحديات، وأخيرًا كيف ينتهي كل هذا بمعرفة، درس أو نمو وقفزات. وهكذا تُعاد العجلة.

وهذا ينعكس على العمل، والعلاقات، وتعلّم اللغات، والتجارب المختلفة.

كل مرة ظننت أنني على حافة الهاوية، أجدني بشكلٍ ما انتقل ضاحكة لبعدٍ جديد. حتى اقتنعت أن هذا الإنسان، مهما بدا هشًا، ينجو بالانتباه. ومهما كان جزءًا من هذه الرأسمالية يظل كتلة من المشاعر، ويتفاعل مع الحياة من خلال هذا الجسد المشاعري الذي يدير اللعبة تخيل أنك لا ترى الحياة كما هي أنت ترى الحياة كما تشعر، والقصص في حياتك تأتي حيث انتباهك.

  • كم موظف استمر في عمله الضبابي، لشعوره بالتّقدير من مدير يؤمن بكفاءته؟

  • كم اجتماع فقد قيمته لأن يومك بدأ بطريقة سيئة؟

  • كم مشروع أو علاقة بدأت بطريقة استثنائية، ثم انتهت بنفس السيناريو؟ — لأنك شكّلتها بيديك، وبنظرتك للحياة، وانتباهك، وشعورك، وما ألِفتَه..

  • كم درس ضاع منك، لأنك قاومت، أو تمسّكت، أو حبَست الفهم في قالب ضيّق؟

الأصل: أنك وانتباهك تشكلان الوقائع من حولك.

«الوعي لوحده ما يوكّل عيش»

بيني وبين الوعي قصص وطبقات وحالات تأمل عنيدة. ونعم، ما زلت أتعلم، لكن الوعي وحده ما يوكّل عيش؛ حتى لو كنا أذكياء كفاية لنفهم القصص، ونقرأ البشر و وندير الشعور، ونرى الصورة كاملة. بلا حقيقة، واختيارات شجاعة، هذا الوعي يتحول لعبء.

تخيل الوعي كتاب: تفهمه، تستمتع فيه. لكن عكسه على هذي الحياة يتطلب حوارات صادقة، ورغبات مكشوفة، وتحدي للذات والآخر، ودمعتين مالحة على الخدود، وضحكات متشافية، وأرواح شجاعة أصيلة.

جميعنا ندّعي الوعي يا رفيق ، لكن حقيقة وعيك هي القصة اللي تعيشها اليوم بكل ما فيها من نُقصان. كيف تشعر من خلالها، وكم تأخذ المزيد منها بانتباهك.

باعتقادي أن قصتنا واحدة وكلنا عالقين في ملف أو اثنين لفترة طويلة. لذلك انتباهك للزاوية الصحيحة والتفاعل معها يقصر المسافات، ويخلق الفرص، ويفتح الأبواب. حتى لو تطلب ذلك وقفة حقيقة، أو معارك دموية.

صدّق أو لا تصدّق... قد يتطلب الأمر أن نرثي خسائرنا الكبيرة، ثم نضحك على هشاشتنا وردات أفعالنا المتخبطة، أن نعتزل الناس أو أن يهجرونا، أيهما يأتي أولاً...

لا لين في رحلتنا للنضج ولا طرق أقصر للوصول ستجد نفسك في خضمٍ يفكك ذاتك، ويضعها أمامك على الطاولة لترتب القصة من جديد. أو قد تختار ذلك بمعيتك الكاملة بكل ما تحمله هذه التجربة من وجع واع.

أنا رأيت أشخاصًا ضاعوا لأنهم بالغوا في الانتباه. وآخرون انفجروا بكاء في الستين؛ لأنهم أجلوا المواجهة، وتجاهلوا جوانبهم الهشة وتقبل خيباتهم.

سماح و قَبــــــــول ، أعد كتابة هذه القصة بخفّـة، أو بانسلاخ تام، حتى تتزن، لكن كن شجاعًا، كن نفسك..

اخرج عن المألوف وواجه الحقائق التي عاشت تحت السرير عمرك كلّه. لتعي فقط ما الذي كان حقيقة مُختارة؟ وما الذي كان مألوفا مُعتادًا فقط؟

لذلك الوعي وحده ما يوكّل عيش؛ هو فقط كلمات منمّقة تعي بها السبب والمسبب، لكنك تظل عالق..

تفهم إنك عالق عندما تُحاط بالتكرار، أو عندما لا تكون جريئًا كفاية لتواجه واقعك. فتبدأ قصصًا جديدة لتصير الأولى معلّقة، والثانية غير مكتملة. بنهاياتٍ متشابهة.

«أنت لست عالق لأنك لا تعرف.. أنت عالق لأنك اخترت أن تشير بانتباهك للمألوف، الذي لا يأخذ منك مجهوداً، أو مسؤولية». 

كيف نتسع وننجو؟

أتعلم ذلك يوميًا، مثلك تماما، إن كنت كذلك. لكني أذكر نفسي باستمرار أن قوتي التي أبني، وضحكتي التي أختار لا تتضاعف يوميًا لأتحمّل. بل أنا أهذب هذه الروح لتبقى حُرة، واسعة، مبتهجة فتملك حرية الاختيار بوعي فقط.

{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا • فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا • قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} - سورة الشمس.

النفس تُلهم، لكنها أيضًا تُزكّى. والتزكية فعلٌ واعٍ. يبدأ حين تنتبه: لما تريد، لما يؤلمك، ويبهجك، لما يعبر بك، ولما يسرقك من نفسك. فحين تضع انتباهك في موضعه الصحيح، تُسلّط عليه طاقتك، تتجلى حياتك التي تستحق.

الأصل أن محد علمنا كيف ننجو لما كل شي يمشي عكس فجأة، وكل التصرفات تصير حمقاء، وكل الأعمال تصير فوضى. وتدخل في عجلة تحاول فيها بسير مفروط و بدون صوت، لا تجاربنا، ولا المحتوى الرقمي، ولا الكتب التي تنتهي بجملة «أنت كافٍ» تكفيك.

الحقيقـــــة تظهر غالبًا في لحظة غرق، لما يطفح كل شيء بداخلك، وتنزلق الأيام بين يديك كأنك لا تمسك شيء، وتنسى ما كنت تجاهد لأجله أصلًا. لما تنظر حولك، وتشوف نفسك في مسرح مو مسرحك، تؤدي دور ما حفظته، ومع ذلك تفهم وتختار... ثم تصل.

لما تفهم أن كل شيء بداخلك له صوت، وأن الفوضى جزء من الترتيب الإلهي الكريم وأنك مهما تكررت خيباتك، تظل تملك حرية تفسيرها.

تعرف أنك في الطريق الصحيح؛ لما تعي أن كل ما أنت فيه اليوم يهيئك لقصص أجمل، بنضج أعلى لا غير فتختار الأصح مو الأخف لذاتك، وقلبك، وعائلتك، وعملك، وقصصك.

الحقيقة قرار هو حيلتك، حتى لو حك الجهل روحك؛ مخالبك حين لا يراك أحد، وضحكتك التي تخرج من ثقب الغصة، عنادك في وجه المنطق، ولسانك الممدود في اللامألوف، وتمسكك بصبر أيوب، وبهجتك التي لا تعرف إلا النور.

نحن نتّسع حين نعي، ونواجه، ثم نختار أو نتخلى «ليس في المنتصف».

قَصّر المسافات، وافعل ما عليك، ممتلئ يقينًا بتدبير الله. ربّت بهذه البهجة على كتفك، وسِر واثقًا نحو المجهول، مستندًا على شعورك الصحيح. ستدرك بعدها أن قوتك كانت دائمًا في قدرتك على الاختيار.

لا تتردد لو عندك رغبة تشارك أفكارك عن هذا العدد.

الوعي
نشرة أميـــرة البريدية
نشرة أميـــرة البريدية

غاية النشرة أن «تتمكّن، فتمكن ما حولك» أن أنير شيئًا بسيطًا من القصة «بينك وبينك». لن تجد بين كلماتي قوالب جامدة; هنا كل شيء حي، ويستحق التأمل.